كيف سمح
تعالى بزواج الإخوة والأخوات
أبناء سيدنا آدم عليه
السلام؟!.
"قضية علمية
دينية"
هل زواج الإخوة من الأخوات حلال؟! والعياذ
بالله.
• أولاد سيدنا آدم عليه السلام، كيف تزوج الأخ
أخته، إذ لم يكن بالعالَم إلاَّ آدم وحواء، وأولادهما الإخوة والأخوات؟!.
• كيف تزوجوا من بعضهم البعض، وتناسل الناس
وكثروا، مع أن زواج الإخوة بالأخوات محرَّم غير صالح للنسل وللقلب ولا يجوز؟!.
• كيف حُلل إذ ذاك، وحرِّم بعدها، مع أن الحلال
دوماً حلال، والحرام دوماً حرام، ولا تناقض بشريعة الله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ
الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً..}[64]: ولا معقِّب لحكمه
تعالى، ولا مبدِّل لكلماته، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
فنقول: إن سيدنا آدم عليه السلام هو أبو البشرية
قاطبة، وأول من ظهر من الإنس على وجه البسيطة، وبه وبأمِّنا حواء عليهما السلام
ابتدأت الحياة والمعيشة على ظهر المعمورة وسرت إلى يومنا هذا. وكما نعلم أن سيدنا
آدم خلقه تعالى بكلمة (كن) فكان عليه السلام. فلا أب له ولا أم، بل هو الأب
الأول لعالم الإنس.
فكيف يا ترى سارت الحياة و انتظمت سنن الخلق لنا
كما نراها الآن، وما كان من بشر سوى سيدنا آدم وزوجه أمنا حواء عليهما السلام؟
فهما وحيدان في العالم.
فلهذا السبب رتَّب الله الحكيم لهما قانوناً
تسير بموجبه الحياة بشكل مؤقت، ريثما تنشأ أجيال من ذريتهما، وتستمر الحياة بشكلها
الطبيعي.
فالله عز وجل هو المشرع، وهو واضع القوانين
جميعها بكمال الكمال، وبيده ملكوت السموات والأرض، وتسييرهما ضمن الحكمة والحق
والفضيلة والخير.
وكما يقال: أن أمنا حواء عليها السلام ولدت
عشرين بطناً، حملت بكل بطن ذكراً وأنثى، فأوحى الله تعالى لأبينا آدم عليه السلام
أن يأكل وبنيه من البطن الأول، من مادة واحدة فقط: "الحنطة" مثلاً.
ثم أمره تعالى أن يأكل وبنيه من البطن الثاني من
مادة ثانية: "الحمص" مثلاً. وكل جيلٍ منهما اقتصر على صنف واحدٍ من
الطعام.
نتيجة لذلك جاء الدم (الذي منه بناء الجسم ونماؤه)
في البطن الأول مختلفاً عن البطن الثاني. لذلك سمح تعالى التبادل بالزواج بين
البطنين الأول و الثاني، أي الابن من البطن الأول يأخذ البنت من البطن الثاني
وبالعكس.
أما الحكمة من لزوم التبادل بين كل بطنين من
أولاد سيدنا آدم، فهي اختلاف الدم في كل بطن، نتيجة اختلاف المادة المغذية من بطن
لآخر.
أما إذا اتحد الدم في حال أكلهم من أطعمة
متماثلة، فالذرية تأتي ضعيفة البنية ولا تصلح للحياة، أو تكون مصابة بالعلل
الخطيرة كالشلل أو العمى أو غيرها.. وذلك لضعف الميل النفسي، ولفتور العلاقة بين
الزوجين الإخوة. ولا تقوى العلاقات الزوجية لضعف الميْل الجنسي وفتوره، بل يصل
للنفور والكره، للتشابه الحاصل بتركيب البُنْيَتـيـِن.
أمَّا عند اختلاف الدم، فتقوى العلاقة الزوجية،
وتصبح الميول النفسية قوية بأوجها، وبالتقارب الزوجي تجري مادة الحياة من كافة
الأعضاء فتأتي الذرية قوية سليمة من العاهات، وهذا ما ثبت علمياً في هذا العصر.
وتمَّ ذلك الزواج لمرة واحدة بين بني آدم عليه
السلام الإخوة والأخوات، بسبب اختلاف تركيب البدن، جراء الاقتصار على نوعية واحدة
متباينة من الطعام.
ومن الملاحظ الفرق بين العرق الأصفر في الصين
بسبب الاقتصار على أكل الرز تقريباً، واختلاف التكوين الشكلي والظاهري نوعاً ما عن
بقية الأجناس البشرية التي تتناول الأطعمة المتنوعة.
فالجسم البشري جزء من هذا الكون، يتأثر ويتبدل
بالأطعمة بشكل رئيسي والأمكنة، كما هو الفرق ظاهر بين سكان الجبال وسكان الصحاري
والسهول.
ثم أوقف تعالى ذلك الزواج، بل حرَّمه تحريماً
مطلقاً على التأبيد وإلى نهاية الدوران، بسبب توافق الدماء للأخ وأخته بعدها،
والضعف الشديد للميول والغريزة الجنسية بين الأخ والأخت، لتوافق الدم والتكوين.
ولتوضيح تلك العلاقة الجنسية بين الزوجين، وأمر
فتورها بسبب توافق الدم وتشابهه، ثم العكس قوة تلك العلاقة بسبب اختلاف الدم
وتباينه، نضرب مثال "قطبي المغناطيس"، فعندما نقرِّب قطبي مغناطيسين
متشابهين، أي كلاهما سالب أو موجب فإننا نراهما متنافرين لا يجتمعان.
أما عندما نقرِّب قطبين متباينين، أي أحدهما
سالب والآخر موجب، عندها يكون التجاذب والاتحاد.
وكذلك في السالب والموجب في أسلاك الكهرباء
(بارد و حامي)، يجري التيار الكهربائي وينتج الضياء والحركة والحرارة.
ذلك لأن الإنسان في تركيبه الجسمي جزء من هذا
الكون المادي، يخضع لنفس القوانين والعوامل المادية، والنفس موجودة في القفص
الصدري، وترسل أشعتها سارية في الأعصاب المشرفة على أجهزة الجسم كلها، والآمرة
الناهية على تلك الأجهزة تؤثر وتتأثر بها.
فالنفس تتأثر بالبيئة والمجتمع، والأطعمة
والأمكنة، وتنعكس عليها فالتقارب والتنافر بين الجنسين، يعتمد اعتماداً كليّاً على
مكونات الجسم الذي تقطن النفس فيه والأمثلة المادية تبين نوعية العلاقات الجنسية
الزوجية من حيث نجاحها ونتاجها من البنين والبنات، والميول من حيث قوتها وضعفها
لذا نوَّع أبونا آدم عليه السلام الأطعمة لبنيه بأمر من الله، حتى تمَّ النجاح
الزوجي، ثم ألغي لعدم التكليف بنوع واحد فقط من الطعام. وقد فصَّل تعالى قضية
التحريم هذه بالآية الكريمة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ
وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم
مِّنَ الرَّضَاعَةِ..}[65]. وكما هو معلوم طبياً في
علم الوراثة أن زواج الأقارب يؤدي إلى أمراض وراثية غريبة تكون أحياناً عديمة
الشفاء.. وأحياناً إلى طفرات وراثية وتشوهات خلقية، لذا ينصح الأطباء بزواج
الأباعد، الذين لا تربطهم بالإنسان الذي يريد الزواج أي صلة قربى قوية.
ونحن نجد في الآية الكريمة السابقة أنه قد
حرِّمت الأخت من الرضاعة أيضاً، وذلك لما في تشابهٍ بين دمها ودم أخيها بالرضاعة،
فتم تحريم الزواج منها.
كما حرِّمت الأم بالرضاعة، لأن جسم هذا الطفل
الرضيع تأسس قسم كبير من بنائه الجسمي، وقسم مهم من تركيب دمه من حليبها، الذي كان
طعامه تقريباً كله مقتصراً على حليبها في الطفولة، وصار بينه وبين أمه وأخته
بالرضاعة قربة دم وتركيب جسمي لا نسب، فهما لذلك محرَّم زواجهما.
إذن أمر الزواج من الإخوة سار ضمن حكمة بالغة
لأبناء مختلفي التركيب والدم بزمن سيدنا آدم عليه السلام كونهم من بطون مختلفة البناء
الجسمي لاختلاف الطعام الذي تناوله الجيل الأول، والطعام الذي تناوله الجيل الثاني
كليّاً، فحدث اختلاف كبير في التركيب البنيوي. وصار كل منهما جديداً بالنسبة
للآخر، فأمكن التجاذب بين الطرفين المتزوجين للضرورة، وأمكن وقوع الميل الجنسي،
وخرجت مادة الحياة للطفل الجديد من كافة خلايا وأعضاء الجسم، فكان بناؤه الجسماني
صالحاً للحياة متيناً طبيعياً لا تشويه فيه ولا ضعف فزالت الضرورة، وعادت الأمور
إلى مجاريها بدون هذا التكليف للطعام، وهذا حدث لمرة واحدة فقط، وعلى يديْ أبي
البشرية سيدنا آدم النبي الرسول عليه السلام، لكونه أول الخلق، ولا يوجد على سطح
الأرض مخلوق بشري سواه وزوجه أم البشر جميعاً وسيدتهم عليها السلام.
فهذا أمر خاص ببدء الخلق، ثم حرَّم الله تعالى
من بعد ذلك الأمر، إلى نهاية الدوران، تحريماً على التأبيد.