ما حقيقة
عزرائيل؟!.
حقيقةً!. من هو ذاك
المسمَّى "عزرائيل"؟.
إذ لا يكاد يوجد مسلم
أيّاً كانت درجته الثقافية أو الاجتماعية، إلاَّ ويجيبك:
"إنه ملك الموت" المعروف. فما هذا
التساؤل البديهي، ألست مسلماً، أليست لديك أدنى ثقافة إسلامية حتى تسأل هذا السؤال
البسيط جداً؟!.
ولكن قبل أن أجيبك، أودُّ البحث في هذا السؤال
الهام:
لماذا لم يذكر الله تعالى في القرآن الكريم اسم
عزرائيل على الإطلاق، علماً بأن الله تعالى ما فرَّط في الكتاب من شيء، بل: هو
تفصيل لكل شيء؛ فكيف لم يذكره تعالى إن كان من الملائكة الكبار حقاً؟! والله تعالى
يقول:
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ..}[42]: الملائكة، وليس عزرائيل.
{..وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ
أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ..}[43].
{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ
الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}[44].
{وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}[45].
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ
طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ}[46].
{..حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا
يَتَوَفَّوْنَهُمْ..}[47].
فلا يوجد ذكر لعزرائيل بين الملائكة، والوفاة
تتمُّ عن طريق مَلَك الموت، فهو ملَك.
وقد ذكر الله تعالى اسم جبرائيل، أي: {..وَجِبْرِيلَ..}،
واسم ميكائيل، أي: {..وَمِيكَالَ..}[48] ، ولم يورد تعالى ذكر
"عزرائيل" في القرآن، فمن أين أتوا به؟!.
أنبئونا بعلم إن كنتم بعزرائيل عالمين؟.
الحقيقة المذهلة
فالحقيقة أنه تعالى لم يذكر اسم
"عزرائيل" على الإطلاق في كتابه المقدَّس القرآن الكريم.
أيضاً لم يذكر اسم "عزرائيل" في أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، (إذ ورد في كتاب "حاشية السندي"، الجزء
الرابع، الصفحة /118/):
بأن ملك الموت لم يرد تسميته في حديث، ولم يذكر
اسم عزرائيل.
وفعلاً قمنا بالبحث عن هذا الاسم
"عزرائيل" في الكتب التسعة للأحاديث النبوية: (البخاري، مسلم، الإمام أحمد،
ابن ماجه، النسائي، الترمذي، أبو داود، الإمام مالك، الدارامي) ولم يتم العثور على
كلمة "عزرائيل" إطلاقاً.
وكذلك لم توجد تلك الكلمة في المتون الصحاح:
"المستدرك على الصحيحين، والمسند المستخرج على
صحيح الإمام مسلم، والأحاديث المختارة للمقدسي، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان
للهيثمي، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، والمنتقى لابن الجارود". ومتون
السنن جميعها: "كمسند الإمام الشافعي، وسنن البيهقي، ومجمع الزوائد..".
فذكْر "اسم عزرائيل لم يرد أبداً على لسان
رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولم يثبت ذلك من جهته أبداً، كما أنه لم يرد
في كتب التفسير: "للجلالين، وابن كثير، والطبري، وأحكام القرآن
للشافعي"، لم يرد ذكرٌ له، غير أن القرطبي انفرد بذكر هذا المسمى
"عزرائيل". وما روي في تفسير القرطبي، الجزء (19)، الصفحة /194/ بأن:
"عزرائيل: ملك الموت، وهو الموكل بقبض
الأنفس في البر والبحر"، فإنه يناقض تماماً الآية القرآنية في قوله تعالى: {اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا..}[49].
إذ أن قبض النفس بالنوم غير قبض الروح بالموت.
فالله تعالى بالآية السابقة يقول بأنه هو تعالى:
{..يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ..}؛ وليس ملك
الموت كما يقول "القرطبي".
وما ذكر في كتاب "العظمة" للأصبهاني،
الجزء الثالث، الصفحة /909/ عن وصف عزرائيل بأنه:
"ملك الموت وله عينان، عين في وجهه، وعين
في قفاه، وأن الدنيا تُركت له مثل الطست يتناول منها حيث شاء، وأن الدنيا بين
ركبتيه وهو جالس"، إن هي إلاَّ أوهام وضعت على ألسنة بعض مقلِّدة العلماء،
ومن البداهة أنها لا تحتاج لمناقشة لكونها لا تتعدى حكايات العجائز، و الأساطير
التي يروونها لأحفادهم.
فهل يليق بالملائكة الكرام "أجمل خلق
الله"، بأن يوصف أحدهم بأن له عين في قفاه؟! وماذا تفعل تلك العين هناك، وما
وظيفتها؟!. والدنيا كرة وليست طستاً منبسطاً!! وعزرائيل يتناول منها حيث شاء!!
ولمن المشيئة؟ لله، أم لعزرائيل!!. أَوَليست لله؟!. أما ورد عن ملائكة الموت في
القرآن الكريم، بأنهم عدد وليسوا فرداً واحداً، ففي قوله تعالى: {وَهُوَ
الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ}[50].
فهؤلاء الحفظة الذين أرسلهم الله: {..وَيُرْسِلُ
عَلَيْكُم حَفَظَةً..}، هم الذين يتوفون المرء عند الموت: {..تَوَفَّتْهُ
رُسُلُنَا..}. إذن: {..وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً..}: ينتظرون
حركاتك ويكتبون عليك، {..حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ
رُسُلُنَا..}: توفته رسلنا: أي الذين أرسلهم الله علينا حفظة، وهم: ملَكُ
الموت: يتوفى روحه، والرقيب والعتيد: يكتبان أعمالَه وأقواله، وملَك الإلهام: كل
دلالته الخيِّرة له.
ففي الآية الكريمة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي
أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى..}: الرقيب والعتيد. {..وَثُلَاثَ..}: ملك
الإلهام، لكن المعرضين عن الله لا يسمعون النداء من صمم آذانهم: {..وَرُبَاعَ..}[51]:
ملك الموت.
{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ
الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ..}[52]: فعند موت الإنسان يتوفاه ملك
الموت بأن يسحب روحه فتتبعها نفسه[53]، إذ لا مقام للنفس بلا روح، كذلك
يستوفي الملكان أعماله، الرقيب والعتيد، ويُغلق سجله على أعماله التي سيكافأ أو
يجازى بها {..إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[54].
{..وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ}: فهؤلاء
الحفظة لا يفرِّطون في شيء من أعمالك، لا صغيرة ولا كبيرة، كله مكتوب باللحظة،
كذلك لا يتأخر ملك الموت إذا جاء أجل هذا الإنسان لحظة، ولا يسبِّق لحظة.
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً
كَاتِبِينَ}[55]: فهؤلاء الحفظة الموكَّلون بالإنسان مع ملك الموت،
هم الذين يتوفونه عند الموت.
فأما إن كان ظالماً: {..وَلَوْ تَرَى إِذِ
الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ..}: عند النزع ساعة قبض الروح. {..وَالْمَلآئِكَةُ
بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ..}: عليه لقبض روحه.
{..أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ..}[56]:
الآن، الكافر لا يريد الخروج، روح المعرض كالحرير على الشوك، يسحبون روحه وهو
يصيح.
وهؤلاء الملائكة لا يقفون عند هذا الحد رحمةً
بهذا الكافر المعرض. {..وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ
الْمَلآئِكَةُ..} لو تعلم حالهم ساعة موتهم: {..يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ..}[57]: ضيّعت الشيء الثمين الأبدي الذي
خلقت من أجله والغبطة الأبدية، بدنيا دنيَّة ذهبت وانقضت، بالحياة الأبدية.
يضربونه ليحوِّلوه عن دناءته وخزيه، ليغطوا عنه ما فيه من عار وحسرات. فضرْبهم هذا
رحمة وحنان، لينسى هذا المعرض حالته المنحطة التي أصبح فيها بما قدَّمت يداه،
عندها يستسلم. {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ
فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ..}: لم أعمل شيئاً.
فتجيبه الملائكة: {..بَلَى..}: أنت تكذب لا تنكر. {..إِنَّ اللّهَ
عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[58].
وأما إن كان من: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ..}: من كل شائبة، لا شائبة بنفوسهم، ليس فيها قذر
ولا وسخ، حيث طابت بالصلة بالله. {..يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ}: الأمان
عليكم لا نصب ولا شقاء.
{..ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ}[59]: ادخلوا في النعيم بما كنتم تعملون.
إذن الملائكة المكلفون بتوفي الإنسان، هم مع
الملائكة الحفظة الذين أرسلهم الله، يكتبون أعمال المرء بكل لحظة، وهم لا يفرطون.
سواء كان العمل صالحاً أم طالحاً.
فهم جمع، "ملائكة الموت"، وليس واحداً
أي عزرائيل، فلكل إنسان أربع ملائكة: مَلك موت مع ملك الإلهام والرقيب والعتيد.
أما الآية: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ
ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}[60].
تدلُّنا أن كلمة: (ملك الموت) اسم جنس لملائكة
الموت كأن تقول: (إنسان آسيا) فهو اسم جنس مفرد، ولكن يقصد به الكثير وقد يصل إلى
الملايين والمليارات.
فالملك: اسم جنس للملائكة، كما أن كلمة إنسان
تطلق على المفرد والجمع لتشمل الجنس فتقول: "هذا الإنسان الذي حمل
الأمانة" وعلى المفرد: "جاء إنسان لدارنا فأضفناه".
وهكذا ورد بالقرآن الكريم كثير من الآيات تأتي
بصيغة المفرد وبصيغة الجمع لجمع الجنس كقوله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي
السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً..}[61]: فكم من ملك
في السموات؟ أعداد لا نهائية.
وقوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ
صَفّاً صَفّاً}[62] فكلمة: الملَك تشير للملائكة
المتتابعة في صفوف متتالية صفاً صفاً، وقد أتت الصيغة بالمفرد (الملَك) اسم
الجنس للملائكة الكرام تدل على الكثرة. وقوله تعالى: {وَانشَقَّتِ السَّمَاء
فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا..}[63]:
فكم من ملك على أرجاء السماء؟ لا يعلم عددهم إلاَّ الله وجاءت بلفظ اسم الجنس (ملك).
وهكذا فالمقصود بآية: {..مَّلَكُ الْمَوْتِ
الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ..} أي: كل ملك وكِّل بوفاة أحد من البشر.
إذن: لا وجود لعزرائيل، ذلك الاسم الموهوم
أبداً، لا في القرآن الكريم، ولا في الأحاديث الشريفة، إنما هناك ملك الموت فقط،
فإن كان هناك ثمة ملك، فليس هو أبداً بعزرائيل الذي لا أصل له.
أوردنا ذلك لتصحيح المعلومات، سدد الله خطاكم
وخطانا للصواب، وأبعد عنكم وعنَّا شرَّ الدسوس، وربك على كل شيء حفيظ.
[42] سورة النحل: الآية (28)
[43] سورة الأنعام: الآية
(93).
[44] سورة السجدة: الآية
(11).
[45] سورة الفجر: الآية (22).
[46] سورة النحل: الآية (32).
[47]. سورة الأعراف: الآية
(37).
[48] سورة البقرة: الآية
(98).
[49] سورة الزمر: الآية (42).
[50] سورة الأنعام: الآية
(61).
[51] سورة فاطر: الآية (1).
[52] سورة السجدة: الآية
(11).
[53] وملك الموت هذا هو الذي
وكّل سابقاً بوضع الروح لهذا الإنسان مُذ كان نطفة فعلقة.
[54]. سورة الطور: الآية (16).
[55] سورة الانفطار: الآية
(10-11).
[56] سورة الأنعام: الآية
(93).
[57] سورة الأنفال: الآية
(50).
[58] سورة النحل: الآية (28).
[59] سورة النحل: الآية (32).
[60] سورة السجدة: الآية
(11).
[61] سورة النجم: الآية (26).
[62] سورة الفجر: الآية (22).
[63] سورة الحاقة: الآية
(16-17).